فصل: السنة الثالثة عشرة من خلافة الحافظ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة الثالثة عشرة من خلافة الحافظ

وهي سنة سبع وثلاثين وخمسمائة‏.‏

فيها ملك الأمير زنكي بن آق سنقر التركي والد بني زنكي قلعة الحديثة التي على الفرات ونقل من كان بها من آل مهارش إلى الموصل ورتب فيها نوابه‏.‏

وفيها توفي الحسن بن محمد بن علي بن أبي الضوء الشريف أبو محمد الحسيني البغدادي نقيب مشهد موسى بن جعفر ببغداد‏.‏

كان إمامًا فاضلا فصيحًا شاعرًا إلا أنه كان على مذهب القوم متغاليًا في التشيع فشان سؤدده بذلك‏.‏

ومن شعره قوله في المرثية التي عملها في الشريف النقيب طاهر وأظنها من جملة أبيات‏:‏ الخفيف قرباني إن لم يكن لكما عق - - ر إلى جنب قبره فاعقراني وانضحا من دمي عليه فقد كا - - ن عمي من نداه لو تعلمان قلت‏:‏ لله دره‏!‏ لقد أحسن وأبدع فيما قال‏.‏

وقد ساق ابن خلكان هذه الأبيات في ترجمة خالد الكاتب وساق له حكاية ظريفة وذكر الأبيات في ضمنها فلتنظر هناك‏.‏

وفيها توفي السلطان داود ابن السلطان محمود شاه ابن السلطان محمد شاه ابن السلطان ملكشاه ابن السلطان ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق ابن دقماق السلجوقي صاحب أذربيجان وغيرها الذي كسره السلطان مسعود وجرى له معه وقائع وحروب - تقدم ذكر بعضها - حتى استولى على تلك النواحي‏.‏

وكان سبب موته أنه ركب يومًا في سوق تبريز فوثب عليه قوم من الباطنية فقتلوه غيلة وقتلوا معه جماعة من خواصه ودفن بتبريز‏.‏

وكان ملكًا شجاعًا جوادًا عادلا في الرعية يباشر الحروب بنفسه‏.‏

وفيها توفي العلامة قاضي القضاة عبد المجيد بن إسماعيل بن محمد أبو سعيد الهروي الحنفي قاضي بلاد الروم‏.‏

كان إمامًا فقيهًا متبحرًا مصنفًا وله مصنفات كثيرة في الأصول والفروع وخطب ورسائل وأذب وأفتى ودرس سنين عديدة‏.‏

ومات بمدينة قيسارية في شهر رجب من السنة المذكورة‏.‏

ومن شعره‏:‏ الكامل وإذا متت إلى الكريم خديعة فرأيته فيما تروم يسارع فاعلم بأنك لم تخادع جاهلا إن الكريم بفعله يتخادع وفيها توفي القان ملك الخطا والترك الملك كورخان وهو على كفره‏.‏

وأظنه هو الذي كسر سنجر شاه السلجوقي المقدم ذكره وقتل تلك الأمم‏.‏

والله أعلم‏.‏

وفيها توفي القاضي المنتخب أبو المعالي محمد بن يحيى بن علي القرشي قاضي قضاة دمشق وعالمها مات بها في شهر ربيع الأول وله تسع وتسعون سنة‏.‏

وفيها توفي صاحب المغرب أمير المسلمين أبو الحسن علي بن يوسف بن تاشفين المعروف بالملثم قاله الذهبي في تاريخ الإسلام‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو عبد الله الحسين بن علي سبط أبي منصور الخياط‏.‏

وأبو الفتح عبد الله بن محمد بن محمد البيضاوي في جمادى الأولى‏.‏

وأبو طالب علي بن عبد الرحمن بن أبي عقيل الصوري بدمشق‏.‏

وكور خان سلطان الخطا وهو على كفره‏.‏

والخطيب أبو الفضل محمد بن عبد الله بن المهتدي بالله‏.‏

وأبو الفتح مفلح بن أحمد الرومي الوراق ببغداد‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع وست عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا سواء‏.‏

السنة الرابعة عشرة من خلافة الحافظ وهي سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة‏.‏

فيها توفي نقيب النقباء علي بن طراد بن محمد بن علي أبو القاسم الزينبي‏.‏

كان معظمًا في الدول‏.‏

ولاه الخليفة المستظهر بالله نقابة النقباء ولقبوه بالرضي ذي الفخرين‏.‏

وكان من بيت الرياسة والنقابة والفضل‏.‏

قلت‏:‏ وكان ولي الوزارة فنقم عليه الخليفة المقتفي بالله وصادره بما فعله مع الخليفة الراشد من كتابة المحضر المقدم ذكره في سنة ثلاثين وخمسمائة‏.‏

وكان الزينبي هذا إمامًا فاضلا فقيهًا بارعًا في مذهب الإمام أبي حنيفة وكان جوادًا ممدحًا‏.‏

مدحه الحيص بيص بقصيدته التي أولها‏:‏ الكامل وفيها توفي الشيخ الإمام العالم العلامة فريد عصره ووحيد دهره وإمام وقته أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الزمخشري‏.‏

الخوارزمي النحوي اللغوي الحنفي المتكلم المفسر صاحب الكشاف في التفسير والمفضل في النحو‏.‏

وكان يقال له جار الله لأنه جاور بمكة المشرفة زمانًا وقرأ بها على ابن وهاس الذي يقول فيه‏:‏ الطويل ولولا ابن وهاس وسابق فضله رعيت هشيمًا واستقيت مصردا وزمخشر‏:‏ قرية من قرى خوارزم ومولده بها في رجب سنة سبع وستين وأربعمائة‏.‏

وقدم بغداد وسمع الحديث وتفقه وبرع في فنون وصار إمام عصره في عدة علوم‏.‏

ومن شعره يرثي شيخه أبا مضر منصورًا‏:‏ الطويل وقائلة ما هذه الدرر التي تساقط من عينيك سمطين سمطين فقلت لها الدر الذي كان قد حشا أبو مضر أذني تساقط من عيني أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع سواء‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وتسع أصابع‏.‏

السنة الخامسة عشرة من خلافة الحافظ فيها افتتح زنكي بن آق سنقر الرهاء من يد الفرنج مع أمور وحروب وردم سورها وكتب إلى النصارى أمانًا وأحسن للرعية وحفر بها أساسًا عميقا‏.‏

وأول صخرة ظهرت في هذا الأساس وجدوا مكتوبًا عليها سطرين بالسريانية فجاء شيخ يهودي فحلهما إلى العربية وهما‏:‏ السريع أصبحت خلوًا من بني الأصفر أختال بالأعلام والمنبر فظهر الرحب على أنني لولا ابن سنقر لم أظهر وفيها توفي هبة الله بن الحسن الشيخ أبو القاسم المعروف بالبديع الأسطرلابي‏.‏

كان فريد وقته في عمل الأسطرلابات وآلات الفلك والطلسمات وكان مع ذلك أديبًا فاضلا‏.‏

ومن شعره وقد أرسل لبعض الرؤساء هدية‏:‏ الكامل أهدي لمجلسك الشريف وإنما أهدي له ما حزت من نعمائه كالبحر يمطره السحاب وما له من عليه لأنه من مائه وفيها توفي صاحب المغرب وأمير المسلمين تاشفين بن علي بن يوسف بن تاشفين المصمودي المغربي‏.‏

وتمكن بعده عبد المؤمن بن علي بعد أمور وقعت له مع تاشفين هذا وبعده‏.‏

وفيها توفي الشيخ الإمام أبوا لحسن شريح بن محمد بن شريح الرعيني المالكي الفقيه خطيب وفيها توفي المسند المعمر أبو الحسن علي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب الفقيه مسند الأندلس سمع الكثير ورحل البلاد وتفرد بأشياء عوال‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو البدر إبراهيم بن محمد بن منصور الكرخي في شهر ربيع الأول‏.‏

وتاشفين بن علي بن يوسف بن تاشفين المصمودي أمير المسلمين وتمكن بعده عبد المؤمن وأبو منصور سعيد بن محمد بن الرزاز شيخ الشافعية ببغداد‏.‏

وأبو الحسن شريح بن محمد بن شريح الرعيبي خطيب إشبيلية‏.‏

ومسند الأندلس أبو الحسن علي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب‏.‏

وأبو البركات عمر بن إبراهيم بن محمد الزيدي العلوي النحوي الكوفي‏.‏

وفاطمة بنت محمد بن أبي سعد محمد البغدادي بأصبهان ولها أربع وتسعون سنة‏.‏

وأبو المعالي محمد بن إسماعيل الفارسي النيسابوري‏.‏

وأبو منصور محمد بن عبد الملك بن الحسن بن إبراهيم بن خيرون المقرئ في رجب‏.‏

وأبو المكارم المبارك بن علي‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وأربع عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وأربع أصابع‏.‏

السنة السادسة عشرة من خلافة الحافظ عبد المجيد فيها توفي بهروز الخادم أبو الحسن مجاهد الدين خادم السلطان مسعود السلجوقي‏.‏

كان خادمًا أبيض ويلقب مجاهد الدين‏.‏

ولي إمرة العراق نيفًا وثلاثين سنة وله به مآثر‏.‏

منها أخذ كنيسة وبناها رباطًا على شاطئ دجلة وأوقف عليها أوقافًا وبها دفن‏.‏

وبهروز بكسر الباء الموحدة ثانية الحروف وهاء ساكنة وراء مهملة مضمومة وواو وزاي ساكنة ومعناه باللغة العجمية يوم جيد على التقديم والتأخير على عادة اللغة العجمية والتركية‏.‏

وفيها توفي موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي الشيخ أبو منصور إمام المقتفي العباسي‏.‏

سمع الحديث ببغداد وقرأ الأدب فأكثر وانتهى إليه علم اللغة ودرس النحو والعربية بالنظامية بعد أبي زكريا التبريزي‏.‏

فلما ولي المقتفي الخلافة اختصه وجعله إمامه فكان غزير العلم طويل الصمت متواضعًا مليح الخط‏.‏

مات في المحرم‏.‏

وفيها توفي الشيخ أبو بكرن تقي بتاء مثناة من فوق ثالثة الحروف الأندلسي القرطبي الفقيه الشاعر كان فاضلا شاعرًا فصيحًا‏.‏

ومن شعره‏:‏ الطويل ومشمولة في الكأس تحسب أنها سماء عقيتي زينت بكواكب بنت كعبة الفذات في حرم الصبا فحج إليها اللهو من كل جانب الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي الحافظ أبو سعد أحمد بن محمد بن أبي سعد البغدادي ثم الأصبهاني في شهر ربيع الأول‏.‏

وأبو بكر عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن النيسابوري في جمادى الأولى‏.‏

وأبو منصور موهوب بن أحمد بن محمد الجواليقي النحوي اللغوي إمام المقتفي في المحرم‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وأربع عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا سواء‏.‏

السنة السابعة عشرة من خلافة الحافظ عبد المجيد وهي سنة إحدى وأربعين وخمسمائة‏.‏

فيها بنى حسام الدين بن أرتق جسر القرمان بأرض ميافارقين‏.‏

وفيها توفي الأمير جاولي صاحب أذربيجان‏.‏

كان شجاعًا شهمًا يخافه السلطان مسعود وغيره‏.‏

وسبب موته أنه افتصد وركب للصيد فعن له أرنب فرماه بسهم فانفجر فصاده فضعف ولم يقدر الطبيب على حبس الدم فمات‏.‏

وفيها توفي الملك أبو المظفر عماد الدين زنكي بن الأتابك آق سنقر‏.‏

كان أبوه يكنى بقسيم الدولة‏.‏

وكان أعني آق سنقر من خواص السلطان ملكشاه السلجوقي وولاه حلب وحمص وغيرهما‏.‏

ولما مات ملك بعده ابنه زنكي جميع هذه البلاد وزاد مملكته حتى ملك الشام من محمد بن بوري بن طغتكين بعد حروب‏.‏

ثم استولى زنكي هذا على الشام جميعه وأقام على ذلك سنين إلى أن توجه إلى قلعة جعبر فقاتل صاحبها شهاب الدين سالم بن مالك العقيلي ونصب عليها المجانيق حتى لم يبق إلا أخذها‏.‏

فلما كان ليلة الثلاثاء سابع عشر شهر ربيع الآخر اتفق ثلاثة من خدامه على قتله فذبحوه على فراشه وهربوا إلى القلعة وعرفوا من بها‏.‏

وكان مع زنكي أولاده الثلاثة‏:‏ سيف الدين غازي ونور الدين محمود المعروف بالشهيد وقطب الدين مودود‏.‏

فملك بعده ابنه نور الدين محمود الشهيد وسار غازي إلى الموصل‏.‏

قلت‏:‏ وبنو زنكي هؤلاء هم أوسط الدول فإن أول من ملك مع الخلفاء وتلقب بالسلطان والألقاب العظيمة بنو بويه ثم أنشأ بنو بويه بني سلجوق‏.‏

وأنشأ بنو سلجوق بني أرتق وآق سنقر جد بني زنكي هؤلاء‏.‏

ثم أنشأ بنو زنكي أعني الملك العادل نور الدين محمود الشهيد بني أيوب سلاطين مصر وغيرها‏.‏

ثم أنشأ بنو أيوب المماليك ودولة الترك‏.‏

وأول ملوكهم الملك المعز أيبك التركماني‏.‏

فانظر إلى أمر الدنيا وكيف كل طائفة نعمة طائفة ونشوءها إلى يومنا هذا‏.‏

انتهى‏.‏

وفيها توفي الأمير عباس شحنة مدينة الري‏.‏

كان أميرًا شجاعًا مقدامًا جوادًا يباشر الحروب بنفسه‏.‏

وفيها توفي عبد الرحيم بن المحسن بن عبد الباقي الشيخ أبو محمد التنوخي‏.‏

كان شاعرًا فصيحًا مات بميافارقين‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو البركات إسماعيل بن أبي سعد أحمد بن محمد بن دوست الصوفي شيخ الشيوخ في جمادى الآخرة‏.‏

وأبو جعفر حسن بن علي البخاري الصوفي بهراة‏.‏

وعماد الدين زنكي الأتابك ابن قسيم الدولة آق سنقر قتله غلام له وهو محاصر قلعة جعبر‏.‏

وأبو الفتح محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن علي النيسابوري الخشاب آخر من حدث بأصبهان عن القشيري‏.‏

وأبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد بن السلال الوراق‏.‏

وأبو بكر وجيه بن طاهر الشحامي العدل في جمادى الآخرة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وإصبعان‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وعشرون إصبعًا‏.‏

السنة الثامنة عشرة من خلافة الحافظ وهي سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة‏.‏

فيها افتتح نور الدين محمود المعروف بالشهيد صاحب الشام حصن أرتاح وغيرها من يد وفيها استولى عبد المؤمن بن علي على مدينة مراكش من المغرب بالسيف وقتل من بها من المقاتلة ولم يتعرض للرعية وأحضر اليهود والنصارى وقال‏:‏ إن الإمام المهدي أمرني ألا أقر الناس إلا على ملة واحدة وهي الإسلام وأنتم تزعمون أن بعد الخمسمائة عام يظهر من يعضد شريعتكم وقد انقضت المدة وأنا مخيركم بين ثلاث إما أن تسلموا وإما أن تلحقوا بدار الحرب وإما أن أضرب رقابكم‏.‏

فأسلم منهم طائفة ولحق بدار الحرب أخرى‏.‏

وأخرب عبد المؤمن الكنائس والبيع وردها مساجد وأبطل الجزية وفعل ذلك في جميع ولاياته‏.‏

وفيها قتل الوزير رضوان بن ولخشي أمير الجيوش وزير الحافظ صاحب الترجمة ومدبر ممالكه بديار مصر وغيرها‏.‏

كان استوزره الحافظ صاحب مصر المذكور‏.‏

فلما ولي الوزر استولى على مصر وحجر على الخليفة الحافظ وسلك في ذلك طريق الأفضل بن أمير الجيوش بدر الجمالي‏.‏

وزاد أمره حتى دس عليه الحافظ السودان فوثبوا عليه وقتلوه‏.‏

وفيها توفي الأستاذ هبة الله بن علي بن محمد بن حمزة أبو السعادات العلوي النحوي ويعرف بابن الشجري‏.‏

انتهى إليه في زمانه علم النحو والعربية ببغداد وسمع الحديث وطال عمره وأقرأ وحدث‏.‏

الماء القديم خمس أذرع وثلاث أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وثلاث عشرة إصبعًا‏.‏

السنة التاسعة عشرة من خلافة الحافظ عبد المجيد وهي سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة‏.‏

فيها أزال السلطان نور الدين محمود بن زنكي صاحب دمشق من حلب الأذان بحي على خير العمل وسب الصحابة بها وقال‏:‏ من عاد إليه قتلته فلم يعد أحد‏.‏

رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها ظهر بمصر رجل من ولد نزار ابن الخليفة المستنصر العبيدي يطلب الخلافة فاجتمع عليه خلق حتى جهز إليه الخليفة الحافظ صاحب الترجمة العساكر فالتقوا بالصعيد وقتل من الفريقين جماعة‏.‏

ثم انهزم النزاري الذي خرج وقتل ولده‏.‏

وفيها أغار نور الدين محمود صاحب دمشق المعروف بالشهيد المقدم ذكره على بلاد الفرنج وفتح عدة حصون - تقبل الله منه - وأسر وقتل وغنم‏.‏

وفيها حج بالناس من العراق الأمير قايماز‏.‏

وفيها توفي قاضي القضاة أبو القاسم علي بن الحسين بن محمد بن علي الزينبي البغدادي الحنفي‏.‏

ولد في نصف شهر ربيع الأول سنة سبع وأربعين وأربعمائة وسمع الحديث وتفقه وبرع في مذهبه‏.‏

ولاه الخليفة المسترشد قضاء القضاة وطالت مدته وحسنت سيرته وناب في الوزارة في بعض الأحيان‏.‏

وفيها توفي الفقيه أبو الحجاج يوسف بن دوباس الفندلاوي شيخ المالكية بدمشق استشهد بظاهر دمشق في حرب الفرنج ومحاصرتهم دمشق‏.‏

وكان إمامًا عالمًا دينًا بارعًا في فنون‏.‏

وفيها توفي الأستاذ أبو الدر ياقوت الرومي الكاتب مولى أبي المعالي أحمد بن علي بن البخاري التاجر بدمشق‏.‏

قلت‏:‏ وتسمى بهذا الاسم جماعة كثيرة لهم ذكر فمنهم من يذكر هنا ومنهم من لا يذكر على حسب الاتفاق وهم ياقوت هذا المذكور‏.‏

وياقوت بن عبد الله الصقلبي أبو الحسن المعروف بالجمالي مولى الخليفة المسترشد بالله الفضل العباسي ووفاته سنة ثلاث وستين وخمسمائة‏.‏

وياقوت بن عبد الله أبو سعيد مولى أبي عبد الله عيسى بن هبة الله بن النقاش ووفاته سنة أربع وسبعين وخمسمائة‏.‏

وياقوت بن عبد الله الموصلي الكاتب أمين الدين المعروف بالملكي نسبته إلى أستاذه السلطان ملكشاه السلجوقي انتشر خطه في الآفاق توفي بالموصل سنة ثماني عشرة وستمائة‏.‏

وياقوت بن عبد الله الحموي الرومي شهاب الدين أبو الدر‏.‏

كان من خدام بعض التجار ببغداد يعرف بعسكر الحموي وهو صاحب التصانيف توفي سنة ست وعشرين وستمائة‏.‏

وياقوت بن عبد الله مهذب الدين الرومي مولى أبي منصور الجيلي التاجر إن غاض دمعك والأحباب قد بانوا فكل ما تدعي زور وبهتان توفي سنة اثنتين وعشرين وستمائة‏.‏

وياقوت بن عبد الله المستعصمي الرومي جمال الدين أبو المجد صاحب الخط البديع مولى الخليفة المستعصم بالله العباسي توفي سنة ثمان وتسعين وستمائة‏.‏

وياقوت الشيخي افتخار الدين الحبشي مقدم المماليك في دولة الأشراف شعبان بن حسين توفي سنة سبع وسبعين وسبعمائة‏.‏

وياقوت بن عبد الله الحبشي المعزي المسعودي المحدث الفاضل توفي سنة أربع وخمسين وستمائة‏.‏

وياقوت بن عبد الله الأرغون شاوي الحبشي مقدم المماليك للأشراف برسباي توفي سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة‏.‏

قلت‏:‏ وهؤلاء الأعيان‏.‏

وأما غير الأعيان فكثير‏.‏

وقد استطردنا ذكرهم هنا جملة لئلا يلتبس أحد منهم على من ينظر في ترجمة أحدهم في محله‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم سبع أذرع وثماني أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وثلاث عشرة إصبعًا‏.‏

السنة العشرون من خلافة الحافظ عبد المجيد مات في جمادى الآخرة حسب ما تقدم ذكره‏.‏

فيها واقع السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بن آق سنقر المعروف بالشهيد صاحب دمشق الفرنج وكسرهم الكسرة المشهورة وقتل منهم ألفًا وخمسمائة وأسر مثلهم وعاد إلى حلب بالغنائم العظيمة والأسارى وبعث بعضها إلى أخيه مودود‏.‏

وفيها يقول ابن القيسراني الشاعر‏:‏ السريع وكم له من وقعة يومها عند ملوك الشرك مشهود حتى إذا عادوا إلى مثلها قالت لهم هيبته عودوا مناقب لم تك موجودة إلا ونور الدين موجود وكيف لا نثني على عيشنا ال - - محمود والسلطان محمود وفيها افتتح نور الدين محمود أيضًا حصن فامية وكان على حماة وحمص منه ضرر عظيم‏.‏

وفيها توفي القاضي الإمام الأديب العلامة ناصح الدين أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسين الأرجاني قاضي تستر‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ والأرجاني‏:‏ بفتح الهمزة وتشديد الراء والفتح والجيم وبعد الألف نون هذه نسبة إلى أرجان وهي من كور الأهواز من بلاد خوزستان‏.‏

انتهى‏.‏

وقال صاحب المرآة‏:‏ كان إمام عصره فقيهًا أديبًا شاعرًا صاحب النظم الرائق‏.‏

وديوان شعره مشهور بأيدي الناس سمع الحديث وتفقه‏.‏

وكان بليغًا مفوهًا‏.‏

وهو القائل‏:‏ الكامل قلت‏:‏ ومن شعره - والبيت الثاني يقرأ معكوسًا‏:‏ الوافر أحب المرء ظاهره جميل لصاحبه وباطنه سليم مودته تدوم لكل هول وهل كل مودته تدوم وفيها توفي الحافظ الناقد الحجة عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى بن عياض بن محمد بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي أبو الفضل المعروف بالقاضي عياض أحد عظماء المالكية‏.‏

ولد بسبتة في منتصف شعبان سنة ست وتسعين وأربعمائة‏.‏

وأصله من الأندلس ثم انتقل أخير أجداده إلى مدينة فاس ثم من فاس إلى سبتة‏.‏

كان إمامًا حافظًا محدثًا فقيهًا متبحرًا صنف التصانيف المفيدة وانتشر اسمه في الآفاق وبعد صيته‏.‏

ومن مصنفاته كتاب الشفا في شرف المصطفى‏.‏

وكتاب ترتيب المدارك وتقريب المسالك في ذكر فقهاء مذهب مالك وكتاب العقيدة وكتاب شرح حديث أم زرع وكتاب جامع التاريخ وهو كتاب جليل وشيء كثير غير ذلك‏.‏

ومات بمراكش في جمادى الآخرة‏.‏

ومن شعره رحمه الله‏:‏ السريع أنظر إلى الزرع وخاماته تحكي وقد هبت عليها الرياح كتيبة خضراء مهزومة شقائق النعمان فيها جراح وفيها توفي الملك غازي بن زنكي بن آق سنقر التركي أخو السلطان نور الدين محمود الشهيد الأتابك سيف الدين صاحب الموصل وهو أكبر أولاد زنكي‏.‏

مات في سلخ جمادى الآخرة وله أربع وخمسون سنة وأقام في الملك ثلاث سنين وشهورًا‏.‏

وكان شجاعًا جوادًا‏.‏

وهو أول من حمل السنجق على رأسه في الأتابكية ولم يحمله أحد قبله لأجل ملوك السلجوقية‏.‏

وفيها توفي الأمير معين الدين أنر مملوك الأتابك طغتكين‏.‏

كان مدبر دولة أولاد أستاذه الأتابك طغتكين وكان جليل القدر عالي الهمة‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي القاضي أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسين الأرجاني الشاعر بتستر‏.‏

ومعين الدين أنر الطغتكي مدبر دولة أولاد أستاذه‏.‏

والحافظ لدين الله عبد المجيد بن محمد بن المستنصر العبيدي‏.‏

والقاضي عياض بن موسى بن عياض أبو الفضل اليحصبي السبتي بمراكش في جمادى الآخرة‏.‏

وصاحب الموصل سيف الدين غازي ابن الأتابك‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وأربع وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وثماني عشرة إصبعًا‏.‏

الظافر بالله أبو منصور إسماعيل بن الحافظ لدين الله أبي الميمون عبد المجيد ابن الأمير محمد ابن الخليفة المستنصر معد بن الظاهر علي بن الحاكم منصور بن العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله معد التاسع من خلفاء مصر من بني عبيد والثاني عشر منهم ممن ولي من أجداده خلفاء المغرب‏.‏

بويع بالخلافة بعد موت أبيه الحافظ في جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة وهو ابن سبع عشرة سنة وأشهر لأن مولده في يوم الأحد منتصف شهر ربيع الآخر سنة سبع وعشرين وخمسمائة‏.‏

وأمه أم ولد تدعى ست الوفاء وقيل‏:‏ ست المنى‏.‏

قال العلامة شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قز أوغلي سبط ابن الجوزي في تاريخه مرآة الزمان - بعد أن سماه يوسف والصواب ما قلناه أنه إسماعيل - قال‏:‏ وكانت أيامه مضطربة لحداثة سنه واشتغاله باللهو وكان عباس الصنهاجي لما قتل ابن سلار وزر له واستولى عليه‏.‏

وكان له ولد اسمه نصر فأطمع نفسه في الأمر وأراد قتل أبيه ودس إليه سمًا ليقتله‏.‏

فعلم أبوه واحترز وأراد أن يقبض عليه فما قدر ومنعه مؤيد الدولة أسامة بن منقذ وقبح عليه ذلك وقال‏:‏ إن فعلت هذا لم يبق لك أحد ويفر الناس عنك‏.‏

فشرع أبوه يلاطفه يعني الوزير عباس يلاطف ابنه نصرًا وقال له‏:‏ عوض ما تقتلني اقتل الظافر‏.‏

وكان نصر ينادم الظافر ويعاشره وكان الظافر يثق به وينزل في الليل إلى داره متخفيًا‏.‏

فنزل ليلة إلى داره وكانت بالسيوفيين داخل القاهرة ومعه خادم له فشربا ونام الظافر فقام نصر فقتله ورمى به في بئر‏.‏

فلما أصبح عباس يعني الوزير أبا نصر المذكور جاء إلى باب القصر يطلب الظافر فقال له خادم القصر‏:‏ ابنك يعرف أين هو ومن قتله‏.‏

فقال عباس‏:‏ ما لابني فيه علم‏.‏

وأحضر أخوي الظافر وابن أخيه فقتلهم صبرًا بين يديه وأحضر أعيان الدولة وقال‏:‏ إن الظافر ركب البارحة في مركب فانقلبت به فغرق‏.‏

ثم أخرج عيسى ولد الظافر‏.‏

فتفرقوا عن عباس وابنه وثار الجند والعبيد وأهل القاهرة وطلبوا بثأر الظافر من عباس وابنه نصر‏.‏

فأخذ عباس وابنه نصر ما قدرا عليه من المال والجواهر وهربا إلى الشام‏.‏

فبلغ الفرنج فخرجوا إليهما وقتلوا عباسًا وأسروا ابنه نصرًا وقتل نصر في السنة الآتية انتهى‏.‏

وقال القاضي شمس الذين أحمد بن خلكان‏:‏ بويع يوم مات أبوه بوصية أبيه وكان أصغر أولاد أبيه سنًا‏.‏

كان كثير اللهو واللعب والتفرد بالجواري واستماع المغاني‏.‏

وكان يأنس بنصر بن عباس‏.‏

فاستدعاه إلى دار أبيه ليلًا سرًا بحيث لا يعلم به أحد وتلك الدار في المدرسة الحنفية السيوفية الآن فقتله بها وأخفى أمره‏.‏

قال‏:‏ وقصته مشهورة وذلك في نصف المحرم سنة تسع وأربعين وخمسمائة‏.‏

وكان من أحسن الناس صورة‏.‏

والجامع الظافري الذي بالقاهرة داخل باب زويلة منسوب إليه وهو الذي عمره وأوقف عليه شيئًا كثيرًا‏.‏

انتهى كلام ابن خلكان‏.‏

قلت‏:‏ والجامع الظافري هو المعروف الآن بجامع الفاكهانيين على الشارع الأعظم بالقرب من حارة الديلم‏.‏

وقال ابن القلانسي‏:‏ إن الظافر إنما قتله أخواه يوسف وجبريل وابن عمهما صالح بن الحسن‏.‏

قلت‏:‏ وهذا القول يؤيده قول ما نقله أبو المظفر من أن عباسًا قتل أخوي الظافر وابن عمه صبرًا أعني لما بلغه قتلهم للظافر قتلهم به غير أن جمهور المؤرخين اتفقوا على أن قاتل الظافر نصر بن عباس المقدم ذكره‏.‏

قال‏:‏ وكان الظافر قد ركن إليهم يعني أخويه وابن عمه وأنس بهم في وقت مسراته فاتفقوا عليه واغتالوه وذلك في يوم الخميس سلخ صفر‏.‏

وحضر العادل عباس الوزير وابنه ناصر الدين وجماعة من الأمراء والمقدمين للسلام على الرسم‏.‏

فقيل لهم‏:‏ إن أمير المؤمنين ملتاث الجسم‏.‏

فطلبوا الدخول إليه فمنعوا فألحوا في الدخول بسبب العيادة فلم يمكنوا‏.‏

فهجموا ودخلوا القصر وانكشف أمره فقتلوا الثلاثة وأقاموا ولده عيسى وهو ابن ثلاث سنين ولقبوه بالفائز بنصر الله وبايعوه وعباس الوزير إليه تدبير الأمور‏.‏

ثم ورد الخبر بأن طلائع بن رزيك فارس المسلمين قد امتعض من ذلك وجمع وحشد وقصد القاهرة وكان من أكابر الأمراء‏.‏

وعلم عباس أنه لا طاقة له به فجمع أمراءه وأسبابه وأهله وخرج من القاهرة‏.‏

فلما قرب من عسقلان وغزة خرج عليه جماعة من خيالة الفرنج فاغتر بكثرة من معه فلما حمل عليهم قتل أكثر أصحابه وانهزموا فانهزم هو وابنه الصغير وأسر ابنه الكبير الذي قتل ابن سلار مع ولمه وحرمه وماله وكراعه وصار الجميع للفرنج ومن هرب مات من الجوع والعطش‏.‏

ووصل طلائع بن رزيك إلى القاهرة فوضع السيف فيمن بقي من أصحاب عباس وجلس في منصب الوزارة‏.‏

انتهى كلام ابن القلانسي‏.‏

وما نقله غالبه مخالف لغيره من المؤرخين‏.‏

والله أعلم‏.‏

وقيل غير ذلك‏:‏ إن خدام القصر كتبوا إلى طلائع بن رزيك وهو والي قوص وأسوان والصعيد يخبرونه بقتل الظافر ويستنجدونه على عباس وابنه نصر‏.‏

وكتب إليه فيمن كتب القاضي الجليس أبو المعالي عبد العزيز بن الحباب قصيدته الدالية التي أولها‏:‏ الطويل دمعي عن نظم القريض غوادي وشف فؤادي شجوه المتمادي وأرق عيني والعيون هواجع هموم أقضت مضجعي ووسادي بمصرع أبناء الوصي وعترة الن - - بي وآل الذاريات وصاد فأين بنو رزيك عنهم ونصرهم وما لهم من منعة وذياد أولئك أنصار الهدى وبنو الردى وسم العدا من حاضرين وباد تدارك من الإيمان قبل دثوره حشاشة نفس آذنت بنفاد وقد كاد أن يطفي تألق نوره على الحق عاد من بقية عاد فلو عاينت عيناك بالقصر يومهم ومصرعهم لم تكتحل برقاد وهي طويلة كلها على هذا المنوال في معنى النجدة‏.‏

وقد نقلتها من خط عقد لا يقرأ إلا بجهد‏.‏

فلفا بلغ ذلك طلائع بن رزيك جمع ودخل القاهرة في تاسع شهر ربيع الأول وجلس في دست الوزارة وتلقب بالملك الصالح وهو صاحب الجامع خارج بابي زويلة وأخرج جسد الظافر من البئر التي كان رمي فيها بعد قتله وجعله في تابوت ومشى بين يديه حافيًا مكشوف الرأس وفعل الناس كذلك وكثر الضجيج والبكاء والعويل في ذلك اليوم‏.‏

وقال بعضهم وأوضح الأمر وقوله‏:‏ إن الظافر كان قد أحب نصر بن عباس حبًا شديدًا وبقي لا يفارقه ليلًا ولا نهارًا‏.‏

فقدم مؤيد الدولة أسامة بن منقذ من الشام فقال لعباس الوزير يومًا‏:‏ كيف تصبر على ما أسمع من قبيح القول‏!‏ قال عباس‏:‏ وما يقولون قال يقولون‏:‏ إن الظافر بنى على ابنك نصر‏.‏

فغضب عباس من ذلك وأمر ابنه نصرًا فدعا الظافر لبيته فوثب عليه وقتله‏.‏

وساق نحوًا مما سقناه من قول أبي المظفر وابن خلكان‏.‏

وانتهى كلامه‏.‏

وقال صاحب كتاب المقلتين في أخبار الدولتين‏:‏ ولما تم أمر الظافر ركب بزي الخلافة وعاد إلى وخبر ابني الأنصاري أنهما كانا من جملة الكتاب وتوصلا إلى الحافظ فاستخدمهما في ديوان الجيش قصدًا لتمييزهما وهما غير قانعين بذلك لما يعلمانه من إقبال الحافظ عليهما فوثبا على الساعة من رؤساء الدولة مثل الأجل الموفق أبي الحجاج يوسف كاتب دست الخليفة ومشورته ومن يليه مثل القاضي المرتضى المحنك والخطيري البواب فتجرا على المذكورين وغيرهم من الأمراء مع قلة دربة‏.‏

فتتبع القوم عوراتهم والخليفة الحافظ لا يزداد فيهما إلا رغبة‏.‏

ووقع لهما أمور‏.‏

قبيحة والقوم يبلغون الخليفة خبرهم شيئًا بعد شيء وهو لا يلتفت إلى قولهم‏.‏

ولا زال ابنا الأنصاري حتى صار الأكبر شريك الأجل الموفق في ديوان المكاتبات ولكن خصص الموفق بالإنشاء جميعه‏.‏

ولما تولى ابن الأنصاري نصف الديوان نعت بالقاضي الأجل سناء الملك بعد أن وصاه الخليفة الحافظ أن يقنع مع الموفق بالرتبة ويدع المباشرة ويخدم الموفق‏.‏

وصبر الأجل الموفق على ذلك مراعاة لخاطر الخليفة‏.‏

وأما ابن الأنصاري الصغير فإنه تجند فتأمر في يوم وخلع عليه بالطوق وما يلزم الأمرية وصار أمير طوائف الأجناد‏.‏

فقال الناس‏:‏ هو الأمير الطاري ابن الأنصاري‏.‏

وبينما هم في ذلك مرض الخليفة الحافظ ومات وآلت الخلافة لولده الظافر هذا‏.‏

فنرجع لما كنا عليه من أمر الظافر مع ولدي الأنصاري المذكورين‏.‏

فركب الخليفة الظافر بعد العشاء الآخرة في الشمع بالقصر ووقف على باب الملك بالإيوان المجاور للشباك وأحضر ابني الأنصاري واستدعى متولي الستر وهو صاحب العذاب وأحضرت آلات العقوبة فضرب الأكبر بحضوره بالسياط إلى أن قارب الهلاك وثنى بأخيه كذلك وأمر بإخراجهما وقطع أيديهما وسل ألسنتهما من قفيهما وصلبا على بابي زويلة الأول والثاني زمانًا‏.‏

وأقام الظافر ابن مصال المغربي وزيرًا مدة شهرين‏.‏

فخرج عليه ابن سلار وكان واليًا على البحيرة والإسكندرية ولم يرض بوزارة ابن مصال المذكور وتابعة عباس وكان واليًا على الغربية وهو ولد زوجته‏.‏

فلما بلغ الوزير ابن مصال ذلك خرج إلى الصعيد لكونه لم يطق لقاء ابن سلار ومن معه على غير موافقة من الخليفة الظافر‏.‏

ودخل ابن سلار إلى القاهرة وزيرًا فما طابت به نفس الخليفة الظافر بالله فباشر الأمور مباشرة بجد‏.‏

وأقام الظافر خليفة إلى أوائل سنة تسع وأربعين وخمسمائة ولم يصف بين الخليفة والوزير عيش قط وجرت بينهما أمور وثبت عند ابن سلار كراهة الخليفة فيه فاحترز على نفسه منه وأقام كذلك أربع سنين وبعض الخامسة حتى قتله نصر بن عباس اغتيالًا في داره‏.‏

وذكر أن ذلك بموافقة الخليفة الظافر على ذلك لأن هذا نصرًا كان قد اختلط بالخليفة اختلاطًا دائمًا أدى إلى حسد أكثر أهل الدولة له على ذلك‏.‏

وخشي عباس على نفسه من ولده نصر المذكور لما تم منه في حق ابن سلار فرمى بينه وبين الخليفة بموهمات قبيحة حتى قتل نصر الخليفة أيضًا‏.‏

ودفنه في داره التي بالسيوفيين وقتل أستاذين معه‏.‏

ولما عدم الخليفة استخلف ولده وهو أبو القاسم عيسى ونعت بالفائز بنصر الله وكان عمره يومئذ خمس سنين‏.‏

أخرجه الوزير عباس من عند جدته أم أبيه الخليفة يوم قتل عميه يوسف وجبريل ابني الحافظ - وهما مظلومان - بتهمة أنهما قتلا أخاهما الخليفة الظافر حسدًا على الرتبة لينالاها بعده‏.‏

وليس الأمر كذلك بل عباس الوزير وولده نصر قتلاه‏.‏

فرآهما الخليفة هذا الصغير مقتولين فتفزع واضطرب وغشي عليه ولازمه ذلك وكثر به‏.‏

قلت‏:‏ وقول هذا عندي في قتل الخليفة الظافر أثبت الأقاويل‏.‏

وبكلامه أيضًا يعرف جميع ما ذكرناه في أمره من أقوال المؤزخين فإنه ساق أمره على جليته من غير إدخال شيء معه وأما تفصيل أمر عباس الوزير وابنه نصر فإن عباسًا كان رجلًا من بني تميم ملوك الغرب ودخل عباس القاهرة فاجتمع بالخليفة فأكرمه وأنعم عليه بأشياء ثم خلع عليه بالوزارة على العادة ولقبه فباشر عباس الوزارة وخدم الأمور وأكرم الأمراء وأحسن إلى الأجناد لينسيهم العادل ابن سلار‏.‏

واستمر ابنه نصر على مخالطة الخليفة الظافر حتى اشتغل الظافر عن كل أحد بابن عباس المذكور وأبوه عباس يكره خلطته بالخليفة‏.‏

وانتهى الخليفة معه إلى أن يخرج من قصره لزيارة ابن عباس بداره التي بالسيوفيين بحيث لا يعلم عباس بذلك‏.‏

فلما علم استوحش من الخليفة لجرأة ابنه وتوهم أنه ربما يحمله الخليفة على قتله‏.‏

فقال عباس لابنه سرًا‏:‏ قد أكثرت من ملازمة الخليفة حتى تحدث الناس في حقك معه بما أزعج باطني وربما يتناقل الناس ذلك ويصل إلى أعدائنا منه ما لا يزول ففهم ابنه نصر عنه وأخذته حدة الشباب فقال نصر لأبيه‏:‏ أيرضيك قتله‏.‏

فقال أزل التهمة عنك كيف شئت‏.‏

فخرج الخليفة ليلة إلى نصر بن عباس على عادته فقتله بالجماعة الذين قتل بهم الوزير ابن سلار وقتل أيضًا أستاذين كانا مع الخليفة الظافر وطمرهم في بئر هناك‏.‏

وأصبح عباس فبايع عيسى بن الظافر ولقبه الفائز على ما يأتي ذكره في أول ترجمة الفائز‏.‏

ولما تم لعباس ما قصه من قتل الخليفة ولولية ولده الخلافة كثرت الأقاويل ووقع الناس على الخبر الصحيح بالحدس فاستوحش الناس قتل هؤلاء الأئمة‏.‏

وكان طلائع بن رزيك واليًا على الأشمونين والبهنسا فتحرك حاشدًا على عباس ولبس السواد وحمل شعور النساء حرم الخليفة على الرماح‏.‏

فتخلخل أمر عباس وتفرق الناس عنه وصار الناس تسمعه المكروه في الطرقات من كل فج حتى إنه رمي من طاق ببعض الشوارع وهو جائز بهاون نحاس وفي يوم آخر بقدر مملوءة ماء حارًا فقال العباس‏:‏ ما بقي بعد هذا شيء‏.‏

فصار يدبر كيف يخرج وأين يسلك‏.‏

فأشار عليه بعض أصحابه بتحريق القاهرة قبل خروجه منها فلم يفعل وقال‏:‏ يكفي ما جرى‏.‏

فلما قرب طلائع بن رزيك إلى القاهرة خرج عباس وابنه ومعهما كل ما يملكانه طالبًا للشرق‏.‏

فحال الفرنج بينه وبين طريقه فقاتل حتى قتل وأسر ولده نصر وفاز الفرنج بما كان معه وذلك في شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وخمسمائة‏.‏

وأما ولده نصر فنذكر أمره وقتله في أول ترجمة الفائز بأوسع من هذا إن شاء الله تعالى‏.‏

وكانت قتلة الخليفة الظافر هذا في سلخ المحرم سنة تسع وأربعين وخمسمائة على قول من رجح ذلك وله اثنتان وعشرون سنة وكانت خلافته أربع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام‏.‏

وتولى الخلافة بعده ولده الفائز عيسى‏.‏

ونذكر إن شاء الله أمر قتله أيضًا في ترجمة الفائز بأوسع من هذا هناك‏.‏